Total Pageviews

Saturday, April 11, 2020

التعليم عن بعد في مواجهة أزمة كورونا


نعيش اليوم في عالم دائم التغير مليء بإمكانيات جديدة، حيث توفر القدرة على تعلم معلومات جديدة أو مهارات حديثة وقتما تشاء وأينما تريد فرصاً تعليمية أكبر بكثير من أي وقت مضى، ونظراً للتطور الهائل الذي نشهده في التكنولوجيا، فإن الطلب على طرق مبتكرة لإثراء وتسهيل العملية التعليمية آخذ في الازدياد، أحد أهم هذه الاستراتيجيات الحديثة هي إستراتيجية "التعليم عن بعد" التي بدأ استخدامها في المؤسسات التربوية العالمية في القرن التاسع عشر وكانت تُعرف بالتعليم بالمراسلة آنذاك، أما الآن فتقوم هذه الإستراتيجية على استخدام الوسائل الإلكترونية لإبقاء الطلاب على اتصال مع المعلمين والوصول إلى المواد التعليمية، اليوم أصبحت هذه الإستراتيجية واقعٌ حالي يخلق فرصاً وتحديات للمؤسسات التعليمية، واقع يقدم للطلاب خيارات موسعة في أين ومتى وكيف يتعلمون، واقع يجعل التعليم في متناول أعداد متزايدة من الطلاب، فأصبح "التعليم عن بعد" مسانداً للعملية التعليمية في المؤسسات التربوية بسبب مرونته وتوافره للمتعلمين والمعلمين في أي وقت، بغض النظر عن الموقع الجغرافي.

وفي هذا الوقت العصيب وغير المسبوق من انتشار فيروس كورونا حول العالم وإغلاق المدارس وفقاً للتدابير الوقائية والاحتياطية للسيطرة عليه، ما أجبر أعداداً كبيرة من الطلاب على البقاء في المنازل،  تحتضن العدید من الدول العربیە الیوم تجربة "التعليم عن بعد" .

في هذه المرحلة، أصبحت استمرارية التعليم أكثر تحدياً للطلاب والمعلمين والمؤسسات التربوية، أعني أن لا أحد يعرف حقاً ما سيحدث غداً، وكيف ستكون الأمور في الأسبوع القادم أو الأسبوع الذي يليه، هذه تجربة نحاول جميعاً التكّيف معها، علينا فقط تكريس الكثير من الجهود لتعزيز أساليب العمل والتواصل بين الطلاب والمعلمين بهدف استمرارية العملية التعليمية.

وكغيره من استراتيجيات التعليم، يأتي "التعليم عن بعد" مع مجموعة من الإيجابيات والسلبيات، أضف إلى ذلك بالطبع أنه لا يمكننا توقع نتائج مثالية من هذه التجربة نظراً للسرعة الفائقة التي اضطرت فيها المدارس إلى الانتقال إلى هذه الإستراتيجية للحفاظ على استمرارية تعليم الطلبة باعتباره أولوية قصوى في خضم تفشي الفيروس الذي شلّ المنطقة، دون أن يكون هناك أي تحضير أو تدريب مُسبق سواء أكان للإدارة المدرسية، للمعلمين، لأولياء الأمور أو للطلبة على وجه التحديد، دعونا نلقي نظرة على بعض الايجابيات والسلبيات التي ينطوي عليها اعتماد هذه الإستراتيجية. 

إيجابيات التعليم عن بعد:

• حماية حق الطلاب في التعليم وضمان استمرارية العملية التعليمية على الرغم من الظروف الحالية التي أدت إلى تعطيل الدوام في المدارس. 

• أهم ما يميز هذه الإستراتيجية هو المرونة في إيصال المحتوى التعليمي فالقيمة الأساسية لاستخدام التعليم عن بعد كنقطة اتصال بين المعلمين والطلاب هي أن فرص التعلم يمكن أن تكون متاحة للطالب في هذه الظروف وقتما يحتاج إليها، وأينما احتاج إليها. 

• توفير وقت الجميع فلا يحتاج المعلم إلى إعطاء نفس المحتوى التعليمي بشكل متكرر لمجموعات مختلفة من الطلاب، يحتاج فقط إلى إعداد المحتوى مرة واحدة ثم مشاركته مع مجموعات مختلفة. 

• تعزيز التعلّم الذاتي والمستقل حيث يستطيع الطلاب تحديد وتيرة الدراسة الفردية الخاصة بهم دون أن يوقفهم الطلاب البطيئون أو العكس، فيمكن إعادة تعليمات الفيديو وسماعها مراراً وتكراراً إن لم يتمكن الطالب من استيعاب المادة التعليمية عند عرضها.

• تعزيز فعالية المعرفة من خلال سهولة الوصول إلى كمية هائلة من المعلومات، فنحن نستخدم الإنترنت الآن لقراءة الأخبار ومشاهدة برامجنا التلفزيونية المفضلة وحجز المواعيد والتسوق وغير ذلك الكثير، بالنظر إلى الراحة التي أضافتها التكنولوجيا إلى حياتنا اليومية، لماذا يجب أن يظل التعليم تقليدياً بدلاً من الاستفادة من المزايا التي توفرها التكنولوجيا؟. 

سلبيات التعلم عن بعد:

• لم يعتد الطالب على استخدام هذا النوع من التعليم الذي يتطلب منه انضباطاً ذاتياً، وذلك نظراً لعدم تقديم برامج توجيهية ودورات تدريبية لإعداد الطلبة قبل البدء بتطبيق هذا النظام، بحيث يجد الطلاب صعوبة في التركيز عندما يكونون محاطين بمشتتات داخل المنزل، ومع عدم وجود المعلمين أو الزملاء للتفاعل وجهاً لوجه داخل الغرفة الصفية فإن فرص التشتت وفقدان المسار الزمني للمواعيد النهائية تكون عالية.

• الإنصاف هو أكبر عقبة في "التعلم عن بعد"، بالطبع لا ينطوي التحول من التعليم التقليدي إلى التعليم عن بعد على التحديات التقنية فحسب، بل التحديات الاجتماعية والمادية أيضاً، إن افتراض أن كل طالب لديه التكنولوجيا اللازمة والوقت والتحفيز والدعم للمشاركة في التعلم عن بعد يفتقد للعدالة، فلا يزال هناك تفاوت كبير من حيث الدخل والمستوى التعليمي للوالدين، ومن الممكن أن لا يمتلك كل منزل أجهزة كمبيوتر متطورة أو إنترنت عالي السرعة. 

• عدم قدرة أولياء الأمور على المشاركة في تعليم أبنائهم من خلال استخدام هذه الإستراتيجية التي تحتاج تدريباً وإعداداً لأولياء الأمور وذلك لتمكينهم من المشاركة وتفعيل دورهم في استمرارية العملية التربوية قبل تبني تطبيقها، وهذا بالتأكيد يمثل تحدياً حاسماً آخر وخاصة للطلاب في الصفوف الأساسية الأولى، حيث يحتاج الطلاب الأصغر سناً إلى الكثير من المساعدة، حتى الكبار المتمرسين في التكنولوجيا يمكن أن يجدوا هذا الأمر صعباً.

• كل طالب يمتلك قدرات تعليمية مختلفة عن الآخر فلكل منهم خصوصيته، وبالتأكيد فإن نجاح العملية التعليمية يعتمد على فهم كيفية تعلم الطالب بشكل أفضل من خلال الأدوات المناسبة له، حيث لا يملك جميع الطلاب في نفس الصف نفس القدرات، لذلك سيكون من الصعب على المعلم الاهتمام بالاختلافات بين الطلاب بشكل فردي واختيار الأنشطة والطرق المناسبة التي يتفاعل بها الطلاب مع المحتوى ويتعلمونه من خلال استخدام هذه الإستراتيجية.

• تُعد المصداقية تحدياً هاماً في التعليم عن بعد حيث سيكون من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، التحكم في السلوكيات السلبية مثل الغش فيمكن لأي شخص القيام بمشروع بدلاً من الطالب الفعلي نفسه، لذلك لن يكون من السهل تقييم الطالب من خلال هذه الإستراتيجية.

تتعامل وزارة التربية والتعليم مع هذا التحدي غير المتوقع والمتمثل في تفعيل "التعليم عن بعد" باعتباره وسيلة التعليم الأساسية لأسابيع وربما أكثر، واجبنا كمؤسسات تعليمية، معلمين، أولياء أمور وطلبة، أن نكافح معاً وأن نحاول أن نتجاوز التحديات المتأصلة في "التعليم عن بعد" في هذه المرحلة الصعبة، جميعنا يدرك أن التحديات كبيرة وأن الأمر لن يكون بهذه السهولة لكن هذا وقت استثنائي ونحن بحاجة أن نتكاتف معاً وأن نركز على أهمية التشاركية في هذه المرحلة على الرغم من نقص مصادر التعليم المتكاملة، علينا أن لا ندع سعينا في الوصول إلى الكمال يعيق مسيرتنا، وعلينا أن نقوم بأفضل ما في وسعنا لمساعدة أبنائنا على مواصلة عملية التعليم رغم هذه الأزمة، وعلينا جميعاً التعاون بما يضمن عدم توقف العملية التعليمية.  

No comments:

Post a Comment